السؤال :
متى يكون الأمر النبوي ملزما يأثم تاركه؟ ومتى يكون مستحبا؟ فمثلا هناك قضايا لم ترد في القرآن الكريم، ووردت في السنة فقط وبصيغة الأمر، لكن بعضها مستحب، والبعض الآخر واجب، فعلى أي أساس قرر الفقهاء ذلك؟ فمثلا أمر النبي صلى الله عليه وسلم: غربوا النكاح ـ شيء مستحب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب ـ هو وصية، لكن لا يأثم فاعلها، بينما نجد أن قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب وجنبوه السواد ـ هو أمر واجب، وأن تغيير الشيب للأسود غير جائز، وكذلك أمره بالحلف بالله وحده، فما المعيار الفقهي الذي يُستند عليه في الحكم؟ علما بأنني أسأل عن الأحاديث التي لم يرد شيء في القرآن الكريم عنها يمكن أن يعضدها أو يرجح كفتها، أو لم يرد بشأنها حديث آخر يجعلنا نقطع الشك باليقين، وجزاكم الله خيرا.
الإجــابه :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الأمر من الشارع، ومنه الأمر النبوي المجرد عن القرينة أنه للوجوب والإلزام يأثم تاركه، لقول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}.
وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.
فإذا وجدت قرينة تصرف أمره صلى الله عليه وسلم عن الوجوب حمل على ما دلت عليه تلك القرينة من ندب أو إباحة أو غير ذلك، فهذا الذي عليه الجمهور والمحققون من أهل العلم، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 66156، 103184، 128041، وما أحيل عليه فيها.
وقال بعض العلماء إن الأمر يكون للاستحباب إلا لقرينة، وقيل للطلب الذي هو أعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وفصل آخرون بين أمر الرب وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ سيدي عبد الله في مراقي السعود:
وافعل لدى الأكثر للوجوب*****وقيل للندب أو المطلوب
وقيل للوجوب أمر الرب*****وأمر من أرسله للندب.
وما ذكرت السائلة من أمره صلى الله عليه وسلم في النكاح فليس بصحيح ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، كما قال الحافظ في الفتح: وأما قول بعض الشافعية يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندا إلى الخبر فلا أصل له.
وقال الألباني في السلسة الضعيفة: لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يخلق ضاويا ـ لا أصل له مرفوعا.
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغضب، فقيل معناه: اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، وليس معناه اجتناب الغضب نفسه وتحريمه، لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة.
وأما أمره صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب فليس للوجوب، وكذلك نهيه عن السواد ليس للتحريم في قول بعضهم، وحمل بعضهم النهي على التحريم بأدلة أخرى، وانظري كلام أهل العلم ومذاهبهم في هذه المسألة في الفتاوى التالية أرقامها: 135209، 132812، 11528، 132812، 61919، وما أحيل عليه فيها.
والحاصل أن الأمر إذا ورد في نصوص الوحي من القرآن والسنة أنه للوجوب، وأن النهي فيهما للتحريم إلا إذا كان هناك دليل من سياق النص أو من نصوص أخرى يصرفهما عن أصلهما، وهذا ما يعرفه أهل الشأن والاختصاص، فإذا أشكل عليك أمر أو نهي في الحديث فعليك بسؤال أهل العلم أو الرجوع إلى شروح الحديث ودواوين السنة.
والله أعلم.