شرح الحديث الـ 200
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا . وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا : فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ .
فيه مسائل :
1= " أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المشرق .
2= " وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المغرب .
3= " أفطر الصائم " : هل هو حقيقة أو حُكْمًا ؟
هو حُكمًا ، أي : جاز له الإفطار ، وإطاره بِمباشرة الْمُفطِّرَات .
4= لو حُمِل على الحقيقة لم يكن للحثّ على تعجيل الإفطار معنى !
قال الصنعاني : الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ دَخَلَ فِي وَقْتِ الإِفْطَارِ ، لا أَنَّهُ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً ، كَمَا قِيلَ ؛ لأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً لَمَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ ، وَلا النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ ، وَلا اسْتَقَامَ الإِذْنُ بِالْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ . اهـ .
ولو حُمِل على الحقيقة ، لم يكن للوصال معنى .
قال ابن القيم : ليس المراد به أنه أفطر حُكْمًا ، وإن لم يُباشِر الْمُفَطِّرَات ، بِدَليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السَّحَر ، ولو أفطروا حُكْمًا لاستحال منهم الوصال . اهـ .
وحَمَله الخطابي على الإفطار حقيقة ، واستدلّ به على بُطلان الوصال !
ولو حُمِل على الحقيقة لكان " مَن اغتاب في صومه أو شَهِد بِزُور مُفْطِر حُكْمًا ، ولا فَرْق بينهما " كما قال القرطبي .
5= قال النووي : معناه : انقضى صومه وتَمّ ، ولا يُوصَف الآن بأنه صائم ، فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل ، والليل ليس مَحَلاًّ للصوم . وقوله صلى الله عليه و سلم : " أقبل الليل ، وأدبر النهار ، وغَرَبت الشمس " قال العلماء : كل واحد مِن هذه الثلاثة يتضمن الآخَرين ويُلازمهما ، وإنما جَمَع بينها لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه بحيث لا يُشَاهِد غُروب الشمس ، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء. اهـ .
6 = انعقد الإجماع على أن وقت الإفطار هو وقت صلاة المغرب ، ووقت صلاة المغرب مِن مغيب الشمس . وفي حديث بريدة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة ، فقال له : صلِّ معنا هذين - يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذّن ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاءُ نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس .. الحديث . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنه إذا حَلَّتْ صلاة المغرب فقد حَلّ الفطر للصائم فرضا وتطوعا ، وأجمعوا أن صلاة المغرب مِن صلاة الليل ، والله - عز وجل - يقول : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . اهـ .
وقال الباجي : تَمَامُ الصَّوْمِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ : هُوَ إِذَا انْقَضَى غُرُوبُ الشَّمْسِ وَكَمُلَ ذَهَابُ النَّهَارِ . اهـ .
7 = العبرة بِغروب قرص الشمس ، ولا عِبرة ببقاء الحمرة والصفرة .
وسبق ما يتعلق تعجيله صلى الله عليه وسلم للإفطار ، في شرح حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، وهو الحديث السابق .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ : هَلْ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِهَا ؟
فَأَجَابَ : إذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ، وَلا عِبْرَةَ بِالْحُمْرَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الأُفُقِ .
وَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ ظَهَرَ السَّوَادُ مِنْ الْمَشْرِقِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ . اهـ .
8 = اسْتُدِلّ بهذا الحديث على إثبات الوصال ، واخْتُلِف في حُكم الوصال وبقائه . وسيأتي في حديث ابن عمر بعد هذا الحديث حُكم الوصال .
وبالله التوفيق .